
فك الشفرة فى التسريب و الدروس الخصوصية

كتابة: بسمة مصطفى
الأكثر قراءة
رُسخت الدروس الخصوصية فى مصر كظاهرة مجتمعية مثلها مثل بقي الظواهرالاجتماعية التي لم تجد من يتصداها أويمنعها أو يحاربها, حيث ظهرت في بادئ الامرمن أجل مساعدة التلميذ الضعيف أو مساعدة الطلاب أصحاب الظروف العائلية أو الصحية الصعبة للتغيب عن المدرسة لفترات طويلة اثناء العام الدراسي .
منذ فترة ليست بالقصيرة كانت هذة الدروس مقتصرة علي الطلاب المقتدرين مالياً فقط ,ترتب علي هذا الأمر أن تحول معظم المعلمين إلي أشخاص معدومى الضمير لا تقوم بتوصيل المعلومة للطلاب داخل الفصل , وذلك يرجع لرغبتة ان يقوم الطلاب بالإقبال على الدرس الخصوصي , وعلي الرغم من ان الدروس الخصوصية كان هدفها الأول هو مساعدة الطالب وتحسين مهاراته بل قامت بعكس ذلك تماما حيث قامت بهدم الطالب بدلا من بناءه وليس الطالب فقط بل جميع أفراد الأسرة .
حيث يحرص المدرسون في الدروس الخصوصية على تلقين الطلبة كيفية حل أسئلة الامتحانات بهدف الوصول الي درجات عالية دون الإهتمام بتنمية قدراتهم ومعارفهم ومهاراتهم, ومن هنا تحولت الدروس الخصوصية من مساعد للمدرسة الي بديل للمدرسة حيث يعتمد الطالب علي مصدر اخر للحصول علي المعلومة .
حيث ترتب علي هذا الامر ان نظرة التلميذ الي قدوته تغيرت شكلا وموضوعا حيث تحول من معلم يقدم رسالة عظيمة الي مجرد تاجر يبيع بضاعته مثل باقي تجار الفاكهة والخضار من أجل الحصول علي أجر مما دفع هذا الامر الطلاب الي عدم الاهتمام والتركيز داخل الفصول الدراسية لانهم اصبحوا معتمدين إعتماد شبه كامل علي الدروس الخصوصية مما أثر علي الطلاب الذين لا يحصلون علي الدروس الخصوصية نظرا لظروفهم المادية او الاجتماعية او غير ذللك والذين لا مصدر لهم في التعلم سوى شرح مدرس ولن نتناسي من هنا هيبة المدرس التى فُقدت تماماً .
فالدروس الخصوصية أصبحت شراً لابد منه ، الجميع يعلم أنها خراب وتدمير للأسر المصرية
فعند الحديث مع أحد الطلبة قال لنا "جمال الدين" أحد الطلاب في الصف الثاني الاعدادي انه ياخذ دروس خصوصية منذ الصغر وانه ياخذ في جميع المواد تقريبا وعند سؤاله عن السبب أجاب وبمتهي التلقائية" انا باخد علشان مش بفهم في المدرسة وحتي لو بفهم انا عاوز حاجة متلخصة سهلة اذكرها بسرعة وكمان عادي ما كل صحابي ياخدوا" ..
ومن هنا ذهب بينا "جمال الدين" إلي كارثة كبيرة ألا وهي ان المشكلة ليست في المدرسة وحدها بل في الطالب الذي اصبح لايرد أن يبذل جهد في الحصول علي المعلومة وانه يبحث عن اي شئ سريع ملخص للحصول على درجات ليس إلا وكأن التعليم اصبح وجبه سريعة تاكلها في الشارع لتسد جوعك لا اكثر.
كما اوضح الاستاذ "يوسف السباعي" أحد أولياء الأمور أن إبنته من طلاب الثانوية العامة وانها ترفض الذهاب المدرسة وتكتفي بالدوس الخصوصية التي تحصل عليها في المراكز لانها تري ان ذهابها الي المدرسة مضيعة للوقت وانها لا تستطيع ان تواظب بين المدرسة والدروس الخصوصية وبين المذاكرة كما ان المدرسة لا تقدم شئ يستحق الذهاب من اجلة وان كل ما يشغلهم الحصول علي مجموع عالى يأهلها للدخول الي كلية من كليات القمة حيث اوضح "السباعي" خلال حديثة ان يدفع في الشهر اكثر من عشر آلاف جنية دروس خصوصية ...!
على الرغم من كل هذه المعاناة إلا أن قرار إغلاق مراكز الدروس الخصوصية أصاب أولياء الأمور والطلاب بإستياء شديد
وفى حين قال "أحمد السيد" .. ولى أمر لتلميذة فى الصف الأول الثانوى عن مستقبل ابنته فى حالة إغلاق هذه المراكز خاصة أن المدارس لم يعد لها دور فالمدرس لا يشرح الدروس وحينما نتوجه بالشكوى لإدارة المدرسة يكون الرد أننا فى مدرسة ولا نستطيع عقاب أى مدرس إلا لمخالفة إدارية ولا نجد أمامنا سوى الدروس التى أصبحت تقتطع من ميزانية الأسرة حوالى 1000 جنيه شهرياً ..
أما "حنان مصطفى" المقيمة بالقاهرة أكدت أن ظاهرة الدروس الخصوصية لم تعد مقصورة على المدارس ، بل إنتقلت إلى الجامعة وأصبحت تكاليفها أعلى ، فبمجرد أن حصل نجلها على الثانوية العامة التى كانت تستقطع 2000 جنيه للدروس شهرياً ودخل كلية الهندسة جامعة عين شمس فوجئ بظاهرة الدروس تلاحقه أيضاً فى الجامعة، وفى هذه المرة، فالمحاضرة فى أحد المراكز بمصر الجديدة يبلغ سعرها 100 جنيه وأخرى سعرها 200 جنيه وهو ما زاد من معاناة الأسرة مع الدروس الخصوصية
فى محاولة ضمن محاولات عدة أقرت "وزارة التربية والتعليم" إغلاق مراكز الدروس الخصوصية غير المرخصة و بالفعل قامت الوزارة بالتعاون مع المحليات منذ بداية العام الدراسى بإغلاق عدد من هذه المراكز ولكن المشكلة ليست فى هذه المراكز فقط إنما فى المنازل التى تستقبل المدرسين ليلاً ونهاراً لتقديم الخدمة التعليمية للتلاميذ فى جميع المراحل العمرية بدءاً من الحضانة حتى الثانوية العامة والجامعة، ورغم الهجمة الحكومية إلا أن المراكز ما زالت تستقبل الطلاب ..
إذن الموضوع أكبر بكثير من إغلاق المراكز خاصة أن البديل الآخر الذى قدمته الحكومة وهو مجموعات مدرسية لم تلق الإقبال المطلوب وبالتالى لم تحل المشكلة ، وما زالت المراكز تعمل المدارس التي يذهب إليها الطلاب خاصة طلاب الثانوية العامة لا تقدم شيئاً ومن ثم يعتبرها الطلاب مضيعة للوقت
كما اكد "سيف علي" طالب بالصف الثالث الثانوى أن المعلمين بالمدرسة لا يشرحون المناهج، ومن ثم لا جدوى الذهاب إليها؟ مؤكداً أن المعلمين يحددون مواعيد الدروس فى المراكز فى وقت المدرسة فمعني ذلك فهم أنفسهم لا يذهبون إلي المدرسة ، ومن يذهب منهم لا يدخل الفصل او يدخل ولا يقوم بالشرح فلماذا نضيع وقتنا فيها؟
منذ سنوات طويلة وفى بداية كل عام دراسى تعلن الوزارة الحرب على الدروس الخصوصية ولكنها تفشل كل سنة و يستمر الوضع علي ما هو علية حيث وصف "احمد اكرم" "ولي امر" بأن الدروس الخصوصية تلوث فرض نفسه على مصر خلال السنوات الأخيرة، وواجهته الدولة بتصريحات بعيدة عن الواقع.
لذلك نستطيع القول ان الظاهرة بدأت منذ تدهور مستوى التعليم فى المدارس بل وأيضا فى الجامعات الحكومية فبحث الناس عن البديل فى الدروس الخصوصية، مهما كلفهم من أعباء مادية كان السبب وراء تدهور مستوى التعليم الحكومي .
ومن هنا يمكن القول أن ظاهرة الدروس الخصوصية هى صورة من صور الخصخصة أى نقل وظيفة من وظائف الدولة إلى الأفراد، حيث يترك تحديد سعر الخدمة طبقا للشطارة أو القوة الاحتكارية فالأسر الفقيرة تضطر إلى دفع الأجر المطلوب حتى لو كانت الخدمة سيئه اما الأسر الغنية لا تضطر إلى قبول ذلك لأن باستطاعتها نقل أولادها إلى مدارس خاصة أو حتى إلى إرسالهم إلى خارج البلاد لذلك يجب علي الحكومة الاهتمام بالمناهج ومراقبة المدراس بصفه عامة والمدرس بصفة خاصة حتي تجبرهم علي العمل في المدارس حتي تستطيع ان تحل مشكلة الدروس الخصوصية التى لا أمل من حلها.
أما عن ظاهرة تسريب الإمتحانات فهي ظاهرة ليست بالبعيدة فقد باتت ظاهرة تسريب الامتحانات منتشرة في العديد من الدول العربية، إذ يأتي في مقدمتها مصر، حيث تم تسريب بعض امتحانات الثانوية العامة لعام 2016، خاصة امتحانات مواد اللغة العربية، واللغة الإنجليزية، والتربية الدينية، والتربية الوطنية، مما استدعى إلغاء امتحان التربية الدينية وتأجيله، فضلا عن إثارة تخوفات من إمكانية حدوث تسريبات أكبر في المواد الأخرى، لا سيما مع استمرار بعض الصفحات على مواقع التواصل الاجتماعي في الإعلان عن تسريبات للامتحانات المزمع إجراءها في الفترة المقبلة، خاصة صفحة تسمى "شاومينج بيغشش ثانوية عامة"، وهو ما دفع الأجهزة الأمنية لتعقب الصفحة على الإنترنت من خلال وسائل الترصد الإلكتروني، وتحديد المسئول عنها، والقبض عليه، دون أن يؤدي ذلك إلى توقف ظاهرة التسريبات
قال النائب فايز بركات، عضو لجنة التعليم بمجلس النواب، إن تطبيق نظام "البوكليت" فى امتحانات الثانوية العامة سيحد من ظاهرة الغش والتسريب الإلكترونى، متابعًا: تهديدات صفحة "شاومينج" هدفها الأساسى نشر الفوضى والقلق بين الطلبة وأولياء الأمور، ولن تستطيع هذا العام تسريب الامتحانات مع هذا النظام.
وأضاف بركات أنه مع تطبيق نظام "البوكليت" لن نكون فى حاجة إلى غلق الفيسبوك أو عمل تشويش على اللجان خاصة أن هذا الأمر سيكلف الدولة أعباءً اقتصادية كبرى، مطالبًا الوزارة بتنفيذ أفكار واستراتيجيات أخرى لمحاربة الغش مثل الامتحان المشفر كحل مؤقت يتم إتباعه لمدة 3 سنوات حتى يتم تعميم فكرة امتحان "open book" وتغيير المنظومة بالكامل.
الجدير بالذكر أن لجنة التعليم والبحث العلمى بمجلس النواب، أعلنت موافقتها بالإجماع على نظام امتحانات الثانوية العامة الجديد، الذى أعلنت عنه وزارة التربية والتعليم، بدمج ورقتى الأسئلة والإجابة معا، وهو النظام الذى يطلق عليه مسمى "البوكليت